مختارات
يبدأُ الصيّادونَ الغِناء. خفيضٌ ويجرحُ الفجر. لا يرونَ الأفقَ بَعْدُ، لكنَّهم يبادرونهُ، يرسلونَ أصواتَهم إليه.
أسرارُهم قليلةٌ منشورةٌ أمامَ البحرِ، دون اعتراف. في النبرِ ما ليس في الكلام. واضحونَ إلّا إنْ أسرفوا. لا تعرفينَ إن ابتعدوا في كنايةٍ أيكلِّمون داراً أم امرأةً، موجةً أم حبيبة.
تكتبين غِناءَهم في الدارِ الصغيرةِ، لا يكادُ يستقرُّ على الورَق. تسألينهم في السهرةِ عن صوتِ البحرِ في معانيهم، وصمتِهِ، يصيرُ كلامُهم أبعد.
يحمِّلونَ الرياحَ ما لا تحتمل. أن تعودَ بأشرعةٍ لأحبابِهم لم تعد. أن تقودَ دَفَّتَهم إلى مقاصدِهم. لهم شواطئُ ممنوعونَ عنها.
يكَلِّفونَ الطيرَ ما لا يستطيعُ من الرسائل. يستحلفونهُ أنْ يَمُرَّ بأحبابِهم، أن يسلِّمَ، أنْ يعودَ بالأخبار.
يخاطبون الموجَ دون كُلْفةٍ، كأنَّهُ واحدٌ منهم. بل إنَّهم يُعَنِّفونَهُ. لماذا لا يعودُ بأحبابِهم، لماذا يُرجعُ مجذافاً دونَ مركبِهِ، يرتمي وحدَهُ على الرمل؟
ركبتاها على الأرض
كفّاها على صدرها، قابضتانِ على الزوال.
كأنَّها مسيحيَّةٌ، وهو مسيحٌ، ولا ندري
إن كان هذا زوالُهُ أم زوالُ مَن.
“كانت تكلّمه”، قالت شاهدةٌ “كأنَّهُ يسألُ، وهي تجيب”.
عيناهُ على وجهِها، فارداً ذراعيهِ، رجلاهُ مضمومتانِ
هذا الذي أتى، بروحِهِ التي تقدّسُها، من أبعدِ ما فيها.
يعلو آذانُ الصبحِ بعد قليلٍ
يقلبُون حولَهُ كفوفَهم إلى السماءِ
دون نجمةٍ من الشرق.
إبنٌ يصعدُ وحده
ثكلى وحيدةٌ، شاهدونَ وحيدون.
17 ـ 9 ـ 2023